شــبــكــة الــثــنــيــان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شــبــكــة الــثــنــيــان


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصه قصــــيره

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الجارح
(عضو نشيط)
(عضو نشيط)
الجارح


المساهمات : 36
تاريخ التسجيل : 15/05/2008

قصه قصــــيره Empty
مُساهمةموضوع: قصه قصــــيره   قصه قصــــيره Icon_minitime1الخميس مايو 15, 2008 1:52 pm

ناردين أبو نبعة


كان مساءً مطعماً باللهفة والشوق، لم تكن تصدق أنها بعد دقائق ستحضنه وتقتنيه بين يديها كما كان صغيراً، تراقب الجنود وهو ينزلون من الطائرة، تراقب دموع الأمهات وهن يحتضن أبناءَهُن العائدين لتوهم من العراق، تراقب الزوجات والأطفال، الدقائق تحك رأسها.. فتترك آثاراً... لخوف وترقب يجب أن يُحسم.. لأنه لابد قادم لم تكن تُصدق أنها ستراه مرة أخرى، اعتقدت أن تلك الأرض... ستمد لسانها.. لتعجنه داخل فمها.. ثم تبتلعه.. الأفكار تحصدها بشرها.. ووجهه لم يطل بعد، أيعقل أن يكونوا أدرجوا اسم ابني خطأ في قاعة العائدين؟!! تتساءل.. بصمت وهي تنظر في وجوه الجنود العابرين الممر المؤدي للخارج.. هل كان من الواجب فعلاً أن يغامر أبناؤنا.. بحياتهم من أجل..!! هل ما يقال لنا صحيحاً، وحدهم يلتحفون الخوف والرعب في بلادٍ تسخر منهم!!

احتضنته بذراعيها، زرعت رأسها في صدره، كأنها تريد أن تتأكد من نبضات قلبه، مررت أصابعها على وجهه ورأسه ويديه لتتأكد أن رصاصهم لم يمزق شيئاً من جسده، ثم أخذت نفساً عميقاً وأخرجته ببط ء ممزوج بالغبطة.

أمسكت بذراعيه تجره كطفل صغير.. لكن لحظات غبطتها لم تدم، إذ اقتضتها ارتعاشة غير معهودة من جسده، وازرقاق حد الارتجاف من شفتيه...
ظل صامتاً.. بدهشة وحيرة طوال الطريق من مطار بوسطن إلى منزل العائلة.

ظلت تتمايل عليه بالأسئلة، وتلقي النكات على مسمعه، عله يتكلم، تحدثه عن صديقته كارولين وأنها الآن في انتظاره في المنزل تحضر عشاءً يليق بقدومه، لكنه لم يردد سوى عبارة واحدة:
- لقد خدعونا، لماذا ألقوا بنا إلى الجحيم!!

في المنزل كان الكل في انتظاره، أخته، أخاه
وكارولين، لكنه بدا شارداً مذهولاً وأخذ في البكاء..
ثم تهاوى على الأرض.

فنتح عينيه، أخذ يصرخ:

- أين أنا؟ أين أنا؟ لا أريد أن أذهب إلى هناك، لا أريد أن أذهب إلى هناك.

- أنت في المستشفى، لا تخف يا بني... ثم عاد في غيبوبته ثانية.

- بألم قال الطبيب: إنه يعاني من صدمة عصبية شديدة، وذلك نتيجة مشاهدته ومشاركته في القتل، ذلك أمرٌ طبيعي، لا تقلقوا سيتعافى ويعود إلى ممارسة حياته الطبيعية.

بدأت أمه تصطحبه في كل يوم لجلسات العلاج النفسي.

عند الطبيب... ظل صامتاً.. والطبيب يتكلم ويتكلم.. لكنه أخذ في الضحك فجأةً عندما قال له الطبيب:
- سنمحو كل شيء رأيته من دماغك، ستعود معافى تنبض فرحاً وقوة من جديد.

أخذ يردد بسخرية والدموع تسيل من عينيه:
- أنا القاتل أحتاج إلى جلسات علاج نفسي وأنا المقتول أيضاً، هل رأيت قاتلاً ومقتولاً أيها الطبيب!!
الحقيقة هي التي تبقى في الذاكرة ولا يمكن أن تمحى، مهما حاولت وحاولت.
ثم قل لي، وهؤلاء الثكلى والجرحى الذين كنت أحفر رسم كارولين على بارودتي وعلى جثثهم .. كلما قتلت واحداً منهم، هل ستتكفل بمحو صورتي من ذاكرتهم!!
وعندما تقتحم منزلاً من منازلهم فهذا يعني نوماً هانئاً لأطفالنا، الحياة لا تمنح لك عبر قتلك لغيرك.

- تذكَّر كارولين.. استرخ.. ستهدأ أعصابك .

- إني أكرهها.. أكرهها.

- لماذا..؟ أمك أخبرتني أنها صديقتك.

- أكرهها، لأني كلما تذكرت كارولين، أشعر بمتعة تفريغ ذخيرتي في أجسادهم، أحياناً أفرغ ذخيرة كاملة في جسد واحد.. أتدري لماذا؟ لأرشو جسدي وروحي الجائعين لها، هي التي كانت تحثني على القتل تماماً مثل قائد الكتيبة، كان يصرخ، إذا لم تقتلهم قتلوك تقدَّم.. تقدَّم .
وأصرخ.. سيدي إنهم مدنيون بلا سلاح!

- إنهم إرهابيون... أتَفْهَم.. أطلق النار.

- قائدك على صواب، كل المدنيون إرهابيون، حتى العائلات، أتدري لماذا؟ لأنهم يحمون الإرهابين
يؤونهم في منازلهم، ولذلك نحن نقوم بقصفهم.

- لقد خدعوك مثلما خدعوني، ما لنا ولأرض ليست لنا، لنا سدنة الحرية والديمقراطية،
هذه الأرض البعيدة هي التي ستحصدنا بشرها ومكرها.

- دعني أسألك سؤالاً.. ألهذه الدرجة تحبهم وتشعر بعقدة الذنب تجاههم.

- لا.. أنا لا أحبهم.. لكني لا أكرههم.. إنهم لا يعنون لي شيئاً سوى.. إنهم احتلوا ذاكرتي.. عندما أريد أن أستسلم للنوم.. تأتيني صورهم واحداً تلو الآخر.. يقفون عند رأسي يرشقونني.. ذعراً وقلقاً. أرجوهم أن يسمحوا للنوم باحتلال ذهني... لكنهم برفضون، حتى الصباح... تتناوب صورهم.. لا يتعبون..

أريد أن أعيش ككل الأمريكيين، أعمل... أسهر مع صديقتي... أشرب النبيذ.. أسافر مع أصدقائي..
أريد أن أعيش حياة طبيعية خالية من صور الموتى.

كنت أتأمل وجوههم لحظة تصويبي النار تجاههم، كانوا يثيرونني.. يمزقونني بسخريتهم مني.

في مرة وقعت على ظهري وأنا أداهم أحد البيوت، ولم أستطع القيام وقد ملأني الرعب تماماً كصرصار وقع على ظهره، التقطني صديقي،
وقفت، صوبت بندقيتي، كان الرجال والنساء ينظرون إليَّ بهلع.. لكن أحداً منهم لم يستنجدني،
بصق في وجهي أحدهم وأنا أجره مقيداً إلى خارج المنزل، ثم بلع رصاصتي، ثم أخذت أبكي.. وأضرب قدمي بالأرض.. إنه يملك أن يبصق في وجهي.. مع أنه بلا سلاح.. ولا أملك أن أرمي بارودتي وأهرب..
أبكي عجزي وقوتهم، وأبكي حريتهم وقيدي، أنا عاجز بسلاحي وهم أقوياء بأنفتهم وقرارهم الموت،

أتدري أيها الطبيب.. وتحرك توماس خطوات تجاهه... ارتد الطبيب إلى الخلف حذراً.

- لا تخف أيها الطبيب أنا لست بمجنون، أريد أن أمثَّل لك كيف نحيا كالفئران المذعورة عندما نريد أن ندخل مدينة من مدنهم، جثى على ركبته كفأرٍ بعيون مذعورة نظر حوله ثم رمى عقب سجائر..
(تخيل أيها الطبيب أنها قنبلة) إنها الآن تفجر المنزل.. ثم نطمئن أن لا أحد من سكانه على قيد الحياة.. ثم نسير وهكذا.. لم نكن نستطيع المرور من أمام منزل إلا بعد أن نسويه بالأرض فتختلط الدماء والأشلاء بالتراب وتختلط روحي بجمرٍ يكويني ويجعلهم يلمعون!! إنها أرضهم..
تعرفهم.. تداري صوت أنفاسهم، أما نحن فكانت تلعننا، تلاحق رجالنا المدججين بالأسلحة وبالخوف فتجعلهم بلا ملامح تفضح عريهم وذعرهم تسخر من حمقهم.. تكويهم بجهلهم أرضاً لن تمنحهم سوى الموت أو الجنون.

كثيراً ما كنت أضع يدي على الجثث بعد قتلها، لا أدري لماذا كان يستهويني هذا العمل فأحسها ساخنة تلسعني، ويدي باردة باردة كجثة ستأكلها الديدان..

ثم صرخ.. وأخذ يضرب رأسه بيديه.. لا أريد أن أراك، ابتعدي.. أيتها الطفلة ابتعدي...

- اهدأ.. اهدأ.. سنمحو كل صورهم من ذاكرتك..
يا توماس... إذا لم نقتل أطفالهم.. كبلوك في أرضك!!

- لكن توماس أخذ يصرخ ويصرخ....

تنهد الطبيب وضرب كفاً بكف كمن يبحث عن وسيلة أو حيلة يقنع بها مريضه.

- ألا تريد أن نتخلص مما أنت فيه، هؤلاء حثالة لا يستحقون أن تملأ رأسك بهم يجب أن لا يعنيك أمرهم..

- قلت لك لا يعنيني أمرهم.. تعنين صورهم التي تملأ رأسي قسراً.. تنخرني حتى ترديني هبوطاً.

- استمرت جلسات العلاج النفسي طويلاً.. والصور ما زالت تلاحق توماس، وتوماس ما زال على حاله لا يتغير.. تذهب به أمه ثلاث مرات في الأسبوع إلى الطبيب النفسي وتعود كما جاءت به، صامتاً، شارداً.. واضعاً رأسه بين يديه.. صارخاً اخرجوا من هنا...اخرجوا من هنا.. اقترح الطبيب على أمه أن تدخله مصحة للعلاج النفسي والعقلي لأن حالته بحاجة إلى متابعة مستمرة، وعناية حثيثة، لكي يتجاوز المرحلة التي يمر بها...

لم يؤثر كلام الطبيب في توماس كثيراً، فلا فرق عنده أن يكون في المنزل أو في المصحة، لكن ما أسعده وأثار حبوره.. وجود الكثير من الجنود العائدين معه من العراق في ذات المصحة!.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو سياف
(عضو نشيط)
(عضو نشيط)
أبو سياف


المساهمات : 27
تاريخ التسجيل : 15/05/2008

قصه قصــــيره Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصه قصــــيره   قصه قصــــيره Icon_minitime1الجمعة مايو 16, 2008 1:29 pm

أشكرك أخوي الجارح على هذا الموضوع الأكثر من رائع
قصة تدمي القلب ليس حزناً على هذا الجندي لكن ألماً وحسرة على
إخواننا في بلاد الرافدين لكن ليس لنا إلا الدعاء
فاللهم أنصر إخواننا المسلمين فوق كل أرض وتحت كل سماء
شاكر لك إباعك أخي الجارح وفي أنتظار جديدك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سيف السعد
المدير
المدير
سيف السعد


المساهمات : 62
تاريخ التسجيل : 14/05/2008
العمر : 34

قصه قصــــيره Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصه قصــــيره   قصه قصــــيره Icon_minitime1الثلاثاء مايو 20, 2008 10:21 am

لا تعليقق ولا ازيد عن استاذي الكريم(ابو سياف) Laughing
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://waled.ahlamountada.com
 
قصه قصــــيره
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شــبــكــة الــثــنــيــان :: الاجتماعيات :: القسم الاسلامي-
انتقل الى: